«وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ»، بهاتين الآيتين القرآنيتين الكريمتين، بدأ إمام أحد المساجد في بنغازي حديثه عن «الميليشيات المسلحة»، قائلا: «مجرمون سعوا في أرض ليبيا فسادًا بالقتل والاغتيالات اليومية في وضح النهار.. دون احترام لقانون أو لحرمة دم»، مضيفًا: «لا ينتهوا عن السرقة والإتجار بالمخدرات، وإذا طالبناهم بالكف عن الأذى والقتل قالوا نحن من يصلح الوطن ويحفظ أمنه». واقع اليوم يحكي مأساة شعب شقيق يعيش في فوضى لم يشهدها من قبل في تاريخه المعاصر.. لم ير أحد منهم انفلاتًا أمنيًا، مثل ذلك، فأصبح فيه دم الإنسان أرخص شيء عندهم، والقتل يتم لأتفه الأسباب والاغتيال أمام البيوت والمساجد دون مساءلة ما داموا هم الحاكمون.
مسلسل الاغتيالات والتفجيرات الغادرة، التي تحدث في بنغازي يقع بشكل شبه يومي، ولعل أبرزه اغتيال مدير الاستخبارات في الشرطة العسكرية بالجيش الليبي أمام منزله بالمدينة والناشط السياسي عبد السلام المسماري وقاضيان آخران، فضلا عن العديد من أفراد القوات الأمنية الذين يسقطون يوميا برصاص إرهابيي الميليشيات. وفي السياق نفسه، قالت منظمة العفو الدولية، في تقريرها السنوي، إن المنظمة زارت سجونا تحدث فيها اعتداءات بشكل ممنهج، مضيفة أن أفراد الميليشيات يفعلون ما يحلو لهم، حتى في السجون التي من المفترض أن تكون تحت سيطرة الحكومة الليبية، وأكدت أن تسليح الميليشيات يفوق تسليح الشرطة وهم يعاملون السجناء كيفما يشاءون. وفي إحدى مرافق الاحتجاز، استطاعت منظمة العفو الدولية توثيق قيام إحدى الميليشيات باختطاف سجناء من داخل السجون. وأوضحت أنها وجدت حالات تعرض فيها المحتجزون للضرب بالخراطيم والأحزمة، وتعذيب بالنيران وتعرضوا للصدمات الكهربائية بالإضافة إلى الإيذاء المعنوي. وروى بعض المحتجزين لوفد المنظمة أنهم يعانون جروحا حرجة في أعضائهم التناسلية فضلا عن تعرضهم للجلد، وأن الحكومة الليبية في موقف ضعيف للغاية ولم تستطع حماية رئيس الوزراء حين اختطفته الميليشيات المسلحة. وذكر مراقبون أن الحكومة الليبية فقدت السيطرة على العديد من المناطق التي باتت تحت سيطرة الميليشيات حتى ثروات البلاد ومقدراتها باتت رهن تلك العصابات المسلحة، وتوقع عقود تصدير النفط للخارج وتمنع تمويل محطات الكهرباء بالمواد البترولية اللازمة، مما دفع رئيس الوزراء الليبي إلى التهديد باستهداف أي حاوية تنقل النفط الليبي دون علم الحكومة الليبية. وظهرت هذه الميليشيات خلال الثورة الليبية ومحاولة إسقاط العقيد الليبي معمر القذافي وبعد سقوط الأخير اختلفت تلك العصابات فالعديد منها ينتمي للجماعات الإسلامية المتشددة وأخرى قريبة من تنظيم القاعدة. كما أن بعض تلك الميليشيات وربما الأقوى تنتمي لجماعة الإخوان وتحصل على دعم قطري كبير. جدير بالذكر أن ميليشيات الإخوان في ليبيا هي التي تسيطر على ثروة ليبيا النفطية وهي التي هددها رئيس الوزراء الليبي على زيدان باستهدافها بعد أن ذكرت وكالات الأنباء أن سفنا قطرية قادمة لنقل النفط الليبي للخارج. وبات مؤكدًا أن الأموال القطرية التي كانت تضخ في ليبيا، هدفها الرئيسي اختراق المجتمع السياسي عبر بوابة تمويل الأحزاب، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين، مما تسبب في خلق توترات ومشاحنات قبلية خطيرة. وبات الجميع يحمل السلاح وكل مدينة أو منطقة وقبيلة لديها ميليشيات ولا يوجد جيش موحد قادر على جمع الأسلحة والوضع قابل للانفجار في أي لحظة. اللافت للنظر أن عددا كبيرا من المواطنين الليبيين يتطلعون إلى #مصر باعتبارها الشقيقة الكبرى، قائلين: «نتطلع للشقيقة الكبرى #مصر وننتظر أن تقوم بدورها في إنقاذ ليبيا من عبث وفساد قطر بعد أن أصبحت بلدنا مهددة بالتقسيم إلى أقاليم». المراقبون من جهة أخرى، طالبوا القاهرة بالتحرك من أجل استقرار ليبيا، وقالوا إن تدهور الوضع الأمني في ليبيا يؤثر سلبيًا على الأمن القومي المصري مؤكدين أن الحدود الليبية هي مصدر السلاح للجماعات الإرهابية.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إرسال تعليق